في ليلة الأربعين.. عندما ألقى الساحر عصاه يوم الوداع



بين أشباه المسارح التي اشتهر فيها أنصاف السحرة، وبعد أعوام من اعتزاله لم ينسى فيها عشاق السحر، يوم ألقى ذاك الساحر عصاه على المسرح معلنًا نهاية المشوار التي كانت تمثل لهم المصير القادم لا محاله ولكن كانوا يمنوا النفس دائمًا أن يتأخر.

مسرح مضى عليه الزمان وهو في محله يسر أهله وحتى العابرين من أمامه لمجرد أنه يحمل ذكرى وجود ذلك الساحر بين أركانه في فترة يعتبرها الكثيرون الأعظم في تاريخ المسرح، فلو تحدث بنيانه الذي يكسوه اللون الرمادي من تحت الأتربة وتزينه بعض الشقوق، لشهد على عظمة الأيام التي مر بها، في حضور "الماجيكو" ولكن لاشيء يبقى على حاله!

تدق الساعة الثانية عشر صباحًا لتعلن عن يوم جديد وعام جديد من ميلاد الساحر، الذي يتم فيه سنته الأربعين، وهو يجلس بعيدًا عن ذلك المسرح عاجزًا عن الوصول له في تلك اللحظة ليحتفل بتلك الذكرى التي لاتأتي إلا كل 10 أعوام مرة بأن يتم عقدًا في عمره ويبدأ في تسطير الخط الأول من العقد الجديد، ويمني النفس بالعودة القريبة.

يحمل كتيب مذكراته بين يديه ليتذكر تلك الأيام التي كان فيها هو نجم الشباك الأول، يهتف الجماهير له، ويتغنوا بما يقدمه من سحر على مسرح أخضر كبير،

يتذكر شعبيته التي ازدادت يومًا بعد الأخر حتى أصبح لا مفر من سماع صوت الجماهير تنادي بأسمه ولا يمكن أن تجد عازلًا عن أن تخترق إحدى أغانيه صميم أذنيك، وحتمًا لا يمكنك الهرب من الدخول في نقاش عنه، فصباحًا يهتفون للساحر ومساءًا يتغنون بما يفعله.

وعلى الرغم من أن أسمه كان يأتي بعد لقب كابتن لكن من كان يعترف بأنه ليس سوى لاعب كرة قدم يغير رأيه بعدما يرى المستديرة تحت قدميه في الملعب، تظهر وقتما يشاء وتختفي عن أعين منافسيه وقتما شاء، قبل أن يجدوها في مرماهم أو بين أقدامهم، فسحره كان بحذاءه أكثر من عصاه وقميصه الأحمر هو زيه الرسمي ليس ذاك الوشاح السنيمائي الأسود.

نظر في كتيب المذكرات الذي بين كفيه وأخذ يتطلع فيه قبل أن يفتحه من اليسار وبدأ يمرر عينيه على السطور ليتذكر كيف انتهت القصة ومن أين بدأت..

الفصل الأخير.. ساحر بدرجة نجم مسرح

"يا يا يا يا ياتريكة".. يقف ليحيي الجماهير التي قطعت مئات الأميال لتشاهده وتؤازر المارد الأحمر على طريقة نجوم المسرح،  ينحني لهم حبًا وتقديرًا لهم معلنًا عن النهاية، ولكنهم لأ يرددون سوى هتاف واحد وسط قرع الطبول والتصفيق الذي لا ينقطع، فهذا أقل تقدير لمشواره الصاخب الذي أجبرنا على عيش كل لحطة فيه والإيمان بأنه لا وجود للخوف طالما لدينا ساحر يعرف جيدًا ما يفعل، وأجبر العالم على الاعتراف بما قدمه وازدادت جماهيريته التي أصبحت مثل وباء لا يمكن إيقافه من الانتشار، قبل أن يلوح لهم بإشارة الوداع معلنًا النهاية.. وهم واقفين غير مدركين ما يحدث، ولسان حالهم يقول: كيف يتركنا نكمل المشوار وحدنا بعدما بدأناه سويًا فكيف لنا أن نجد ساحرًا جديدًا يطمئن قلوبنا كما كان يفعل؟..  الحيرة مرسومة على وجوههم وبسمته على وجهه كعادته قبل أن تغلق الستائر الحمراء.

ليعود صاحب الأربعين للتقليب بشكل عشوائي في كتيب المذكرات حتى يتوقف عند الصفحة التالية..

"أبو تريكة يا فنان أنت حقيقي إنسان.. سافرت أو مسافرتش في القلب ليك مكان".. سقطت عيناه على تلك الجملة، لتتغير ملامح وجهه قليلًا عندما رأي هذه الكلمات التي شكلت مطلع قصيدة كان قد ألفها أحد أطفال مستشفى 57357، يصف فيها الحب الذي ملأ قلبه الصغير لذاك الساحر الذي غير كل أساطير السحر المنتشرة في الروايات عندما كان يظهر السحرة دائمًا في دور الشر ساعين لتخريب الصورة الجميلة، على خلاف الماجيكو راسم السعادة على الأوجه والتي انتشرت قصصه الإنسانية بين أوراق مذكراته، وأخلاقه التي اشتهر بها منذ الصغر ولم تتغير حتى عندما أصبح أسطورة.

من "طوبة" صنع عصا سحرت نجوم العالم

"أبو تريكة أفضل لاعب عربي شاهدته".. "اللاعب رقم 22 رائع.. شعرت وكأن زيدان في الملعب" ليس من الطبيعي أن يشيد بك كل نجوم القارة السمراء بمحترفيهم وأساطيرهم وانت لم تخض أي تجربة إحترافية في أوروبا مثلما فعل الكثيرين، ولكن الأغرب أن تقال هاتين الجملتين على لسان تشافي هرنانديز لاعب برشلونة الإسباني السابق وروبن نجم بايرن ميونخ، لفتي كان سحره من عصا الطوب قبل أن يصنع بنفسه عصاه السحرية.

في منزل صغير يحمل على بابه الرقم 5، بقرية ناهية، يجلس منتبهًا أمام شاشة تلفازه الصغير ليتابع مباريات النادي الأهلي في البطولات المختلفة، ذلك الشاب الصغير المولع بكرة القدم كغيره من أقرانه لم تكن إمكانات عائلته لتسعفه لتحقيق حلمه وصنع مجده الشخصي على خشبة المارد الأحمر.

وعلى الرغم من صغر سنه ولكن مساعدته لوالده بالعمل في فترة الصيف بمصانع الطوب، جعلت منه رجلًا يعتمد على ذاته ويعتمد عليه، فأصبح يعرف ماذا يفعل ومتى.. فلم يغريه أي شيء عن تحقيق حلمه وعرض سحره الخاص.

أبكوه ليبقى وذرفوا الدموع عند الفراق

وهو يقلب في المذكرات ليغلقها .. وجد بقعة على إحدى الأوراق لأثار ماء أو ربما دموع.. نعم تلك التي كان يذرفها وهو يكتب في تلك الصفحة، بعدما قدمت له إحدى الأندية الكبرى بالدوري السعودي عرضًا ضخمًا لضمه من الأهلي، بقيمة خيالية للاعب مصري في ذلك الوقت.

وبعد كثرة السؤال عن رأيه في العرض بعد الموافقة ومباركة من الجميع داخل القلعة الحمراء، ومع اقتراب إتمام الصفقة، إلا أن عشاق الساحر هتفوا له برغبتهم في بقائه أثناء تواجد الفريق في مطار القاهرة، عائدًا من بطولة كأس العالم للأندية باليابان، وهو ما أجبره على البكاء عندما شعر بمدى حبهم وتمسكهم به رافضًا تركهم والرحيل عن النادي.   

قبل أن يرد لهم الدمعة التي انهمرت من عينيه بمئات مثلها في أعينهم عندما شاهدوه يحييهم ويخبرهم بأنها النهاية في الملاعب ولكن البداية في مكان جديد.. نهايته دائمًا تحمل خلفها بداية ونهاية عامه الـ 39 تحمل بداية عام جديد سيستمر في إبهارنا فيه مجددًا ولكن في مجاله الجديد.. كل عام وأنت بخير يا "ماجيكو"

استطلاع الراى


توقعاتك لمواجهة الأهلي ضد مازيمبي بدوري أبطال أفريقيا؟
دوري أبطال أفريقيا - 2024

الفيديوهات الأكثر مشاهدة خلال شهر
تطبيق الأهلي.كوم متاح الأن
أضغط هنا