أساطير لا تُنسى: علاء ميهوب .. أن تنتمي



يكفيك أن تراه يحتفل بعد أي هدف للاهلي من علي مقعد المدرب لكي تعرف أن هذا الإحتفال يليق بمشجع كرة أكثر منه بمدرب النادي الأهلي، الرجل الذي يتذكره عاشقي الأهلي بأهداف حاسمة جلبت بطولات للنادي الأهلي، جناح أيسر في رصيده أحد عشر هدفاً إفريقياً، تنتقل من خلاله مشاعر حب الأهلي بمجرد الحديث عنه للاعبيه وكأنه يتحدث عن شيئاً أسطورياً هو وحده من يقدره حق قدره.

 ربما كل ذلك لم يفسر للبعض بكاء الرجل عندما استقال الجهاز الفني للأهلي والذي كان عضواً فيه و لم تتمسك به الإداره، فسر البعض ان الرجل كان ينتظر أن يكون هو المدير الفني القادم للأهلي، فهو يبكي المنصب الذي ضاع أو ربما يبكي لشعوره بالظلم جراء الإطاحه به رغم أنه ليس السبب الرئيسي في الإخفاق، ولكن من الصعب علي البعض أن يفسر موقف رجل ينتمي للأهلي بكل جوارحه، يبكي لأنه سيبعد عن النادي الأهلي، وهو الذي لم يقو في يوم علي الابتعاد عن ناديه، يريد دوماً أن يكون أقرب ما يكون، لاعب مدرب أو حتي عامل، أي شيء يمكنه من أن يكون جزء من نجاح هذا النادي الذي يدين له بالكثير، ولكن تلك ليست المرة الأولى التي يجد فيها نفسه خارج النادي، حدث ذلك من قبل، منذ ما يقرب من عشرون عاماً.

لا يزال الموقف يرتسم أمامه كلما بقي وحيداً أو شرد في التفكير وكأن الزمن توقف عند تلك الجملة التي قالها له الرئيس "الأهلي يقدر جهودكم تماماً، ولكنكم خارج حسابات النادي الموسم المقبل" بتلك البساطة تم إبلاغه أنه أصبح خارج النادي، لم يستوعب ما قيل من الأساس فهو قد تم إبلاغه ان الرئيس يريد مقابلته مع ثلاثة من كباتن الفريق قبل يوم من بدء معسكر الاستعداد للموسم الجديد، كان كل ما يجول بخاطره أن الرئيس سيشد علي يده هو وزملائه قبل بدء الموسم، كان يشعر بالمسئوليه تجاه ناديه، كان ينوي ـن يقسم للمايسترو أنه لن يدخر جهداً أبداً لمساعدة ناديه ولكن الأمر لم يستغرق ثواني ليصبح الرجل خارج النادي الأهلي وهو الذي دخل النادي ولم يكن عمره يتجاوز الثالثة عشر، شعر وكأنه كهل بلا فائدة وحان وقت التخلص منه وكأن سبعة عشر عاماً لا تشفع للمرء ان يخرج من ناديه بصوره افضل من تلك.

في عامه الثلاثين، ولا يعرف شيئاً عن الدنيا سوي كرة القدم ولا يعرف من الكره شيئاً سوي ناديه، النادي الأهلي، علم فيما بعد ان اقصائه من النادي الأهلي لم يكن علي يد صالح سليم نفسه وانما بقرار من المدرب انور سلامه إلا ان لم يجرؤ احد علي إبلاغه بذلك فتركوا الأمر بيد الرئيس الذي لا يري مصلحه سوي مصلحة النادي، وكأن بعده عن الأهلي من مصلحة النادي، يواسيه البعض ويخبره ان ذلك ليس نهاية المطاف، يستطيع أن يلعب موسمان وثلاثة وأربعة حتي إن أراد، لديه أكثر من عرض بالفعل وذلك هو حال كرة القدم، ولكن من قال أن الأمر يتعلق بكرة القدم؟ هو حتي لا يذكر كيف كان يبدو قبل ان يكون لاعباً في الأهلي، كل حياته ترتبط بهذا الكيان الذي أعطي له دون أن يحسب ماذا اعطي وأخذ منه كل شيء يعتز به، هتفت له الجماهير، الي الأن يوقفه البعض ليذكره بهدفه في المصري في الثانيه الأخيره وكأنه الأمس، الكثير من الأهداف، الكثير من البطولات، يؤرخ حياته الشخصيه طبقاً لمواسمه مع الاهلي، ولكن كل ذلك اصبح من الماضي وعليه أن يتعامل مع الحياة كشخص اخر.

اليوم، منتصف فبرابر لعام 1992، طيلة الاسبوع الفائت يحاول أن يتجاهل ذلك التاريخ، ولكن الأحداث تسير أكبر من استيعابه للموقف، أصبح لاعباً في النادي الأوليمبي واليوم يقابل النادي الأهلي كخصم، لم ينم طيلة أمس في محاولات للتغلب علي طوفان الذكريات الذي لا يهدأ أبداً، ينزل الى أرض الملعب رأسه منخفضه تماماً، يحاول جاهداً الا يرفع راسه لكي لا تتلاقي عيناه باعين واحد من زملائه القدامي حتي لا يتذكر انه يلعب امام النادي الأهلي.

تتهادى الكره أمامه داخل من منطقة الجزاء، المرمي مستعد لكي يستقبل هدف الآن وكأن الكره تريده ان يضعها في الشباك، يودع الكرة في المرمي، ثم ينظر الي جماهير الأهلي التي لا تصدق ما تري، ثم يبكي، يبكي كطفل ضائع، يبكي بحرقة رجل يفقد كل ما كان يجمعه طوال حياته، فهي المرة الأولي التي يحرز فيها هدفاً ولا يسمع بعدها صيحات جماهير الأهلي الفرحه به، لا يستطيع أن يتوقف عن البكاء رغم ان الجميع يعرف انه لم يخطيء في شيء، لم يستطع ان يكمل المباراة، طلب التغيير وأنهي حياته الكروية في اليوم التالي، فالرجل الذي ينتمي للأهلي لا يستطيع ان يلعب كره في نادي أخر.

أن تنتمي، تلك هي المسأله برمتها، أن تلعب عمرك كله بقميص النادي الأهلي فتشعر انه جزء منك وأنك لا يليق بك سواه، في زمن لم تكن شاشات التلفاز تفرد الساعات للتغزل في لاعب او مهاجمة أخر كان موقف علاء ميهوب صادقاً صدق خالص , فهو لم يصرح بان مدربه أخطأ بالاستغناء عنه , وربما كان المناخ مهيأ له ليقول ذلك بعد هذا الهدف الدرامي ولكن الرجل لم ير شيئاً من ذلك كله، لم ير سوي جماهير الأهلي تحزن بسببه وهو الذي كان يصحو صباح كل يوم ممنياً نفسه ان يسعد الجماهير التي تغنت باسمه، فهو أكثر من يشعر بتلك الجماهير لانه لعب للاهلي بروح المشجع البحت الذي يحزن لهزيمة الأهلي ربما أكثر مما يتحمله الموقف، ولكن الأمر لا يتعلق بالكرة بقدر ما يتعلق بشيء أكبر بكثير .. الإنتماء.

استطلاع الراى


توقعاتك لمواجهة الأهلي ضد مازيمبي بدوري أبطال أفريقيا؟
دوري أبطال أفريقيا - 2024

الفيديوهات الأكثر مشاهدة خلال شهر
تطبيق الأهلي.كوم متاح الأن
أضغط هنا