اللي بنى مصر كان في الأصل أهلاوي "3"



في الحلقة الثانية من حلقات "اللي بنى مصر كان في الأصل أهلاوي" تحدثنا عن "نادي المدارس العليا وكيف كان النواة لتأسيس النادي الأهلي"، وكيف أن الفكرة ولدت في رأس عمر بك لطفي "رئيس نادي المدارس العليا" لتأسيس نادي رياضي يجمع طلبة نادي المدارس العليا المهتمين بالسياسة وغيرهم من طلبة المدارس بعد تخرجهم لبنائهم رياضياً، فهؤلاء الشباب لابد من مكان يضمهم بعد تخرجهم لتمضية أوقات الفراغ، وحتى لا يمضي كل منهم إلى قريته وينقطع الاتصال بهم عند حاجة الوطن لهم لمواجهة الإنجليز.

                                  

وتوقفنا عن السؤال: من هو عمر بك لطفي أول رئيس لنادي طلبة المدارس العليا، وصاحب فكرة تأسيس النادي الأهلي؟، وكيف تجسد ولأول مرة في تاريخ النادي الأهلي شعار "الأهلي فوق الجميع"؟.

 

هو عمر لطفي بن يوسف عاشور المصري، من مواليد الإسكندرية عام 1867، تقول عنه مجلة الهلال في عددها الصادر أول مارس 1912 تحت عنوان "عمر بك لطفي.. العالم القضائي والمصلح الاقتصادي":

 

ترجع أصول عمر بك لطفي إلى أسرة مغربية وفدت على الديار المصرية في زمن محمد علي باشا، وكان رئيسها من وجهاء بلاده يمثل دولة المغرب لدى الحكومة المصرية، ولد عمر بك في الإسكندرية وتلقى العلم في مدرسة الجمعية الخيرية والتي أسسها عبد الله النديم، ثم انتقل إلى القاهرة فأتم دروسه بمدرسة الفرير، ثم دخل مدرسة الحقوق الخديوية ونال شهادتها سنة 1886 وعمل وتدرج في المناصب ونبغ واشتهر في مدة قصيرة، استخدم أولاً في قلم قضايا الحكومة، ثم في مكتب محاماة سعد باشا زغلول، ثم اشتعل في النيابة العمومية، وانتدبته الحكومة لتدريس القانون في مدرسة الحقوق الخديوية ثم وكيلاً لها، وعلى الرغم من أنه رشح ليكون قاضياً بمحكمة قنا إلا أنه فضل الاستمرار في حقل التعليم، وبعد فترة ترك مدرسة الحقوق وتاقت نفسه للاشتغال في مجال القضاء فافتتح مكتباً للمحاماة وظل يعمل محامياً حتى وفاته في نوفمبر 1911.

 

كان عمر لطفي واسع الإطلاع في الشأنين القضائي والاقتصادي، فألف عدة كتب في القضاء مثل: الدعوى الجنائية في الشريعة الإسلامية، حرمة المساكن، حق المرأة، حق الدفاع، الامتيازات الأجنبية، الوجيز في شرح القانون الجزائي، شركات التعاون في مصر، والكتاب الأخير يعد الأساس والبداية لإنشاء حركة التعاونيات والنقابات العمالية والزراعية في مصر والتي بدأت على يد عمر لطفي، فعندما رأى عمر لطفي اشتداد الأزمة المالية سنة 1907 وما كان يتكبده الفلاح من ظلم المرابين والمضاربين، أخذ يبحث عما يضمن نجاة القطر المصري من هذه الأزمات مستقبلاً فرأى أن يقتدي بما فعلته ألمانيا وإيطاليا بإنشاء نقابات زراعية في كل بلدة تساعد الفلاحين بدلاً من المرابين، وبعدها أنشأ شركة التعاون بالقاهرة ثم باقي المدن الكبرى في مصر مثل الإسكندرية والمنصورة والمنيا ومنوف وحلوان، وكان يطوف بأنحاء مصر لينشر دعوته بتأسيس النقابات والتعاونيات.

 

ويعد عمر لطفي من رواد الحركة التعاونية على مستوى العالم، ولقب بأبو التعاون في مصر، وكانت المشكلة الزراعية من أصعب مشاكل مصر الاقتصادية لذلك بدأ عمر لطفي يدعو للاستقلال الاقتصادي، وكان من أخلص أصدقاء مصطفى كامل, وساعده مصطفى كامل في كشف فوائد التعاونيات للشعب، وهو ما يتعارض مع أطماع الاحتلال، كما كان عمر لطفي المؤسس لأول نقابة عمالية في مصر وهي نقابة عمال الصنائع اليدوية.

 

نال عمر لطفي عدة أوسمة، وفي تقييم أحد أكبر المجلات في النصف الأول من القرن العشرين وهي مجلة "الاثنين والدنيا" لأعظم عشرة رجال في تاريخ مصر في خمسين سنة، اختاره المؤرخ الكبير عبد الرحمن الرافعي التاسع بعد مصطفى كامل ومحمد فريد ومحمد عبده وسعد زغلول وعلي مبارك وعبد الله النديم وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم وقبل العاشر طلعت حرب.

 

هذا هو عمر لطفي صاحب فكرة إنشاء النادي الأهلي، وما ذكر عنه غيض من فيض، وعذرا للإطالة، ولكن كان مهماً أن نتحدث عن عمر لطفي الذي ربما يتعرف عليه كثيرون للمرة الأولى.

 

عندما عرض عمر لطفي فكرته على زملائه في نادي المدارس العليا، تحمسوا للفكرة، وكان على رأسهم عبد الخالق ثروت، وفي كلمة للتاريخ في ختام الجمعية العمومية للنادي الأهلي والتي عقدت يوم 6 فبراير 1919 – ننقلها نصاُ من محاضر الجمعية العمومية- قال عبد الخالق ثروت وهو رئيس للنادي حينذاك:

 

"الآن وقد انتهينا من أعمال الجمعية العمومية، فإني أنتهز هذه الفرصة لألقى على حضراتكم كلمة عن تاريخ هذا النادي فإن تفضلتم وسمحتم بذلك فإن أول ما ينطق به لساني في هذا الحديث هو اسم المرحوم عمر لطفي بك ذلك لأنه الواضع لهذا النادي وصاحب الفكرة في تأسيسه. كان المرحوم عمر بك لطفي وكيلاً لمدرسة الحقوق وكنت في ذلك العهد موظفًا بوزارة الحقانية فكنت معه بحكم وظيفتينا في علاقة مستمرة وكان رحمه الله على ما تعلمون كثير الاشتغال بأمور الشبيبة عظيم الاهتمام بأحوالهم وبكل ما يعود عليهم بالفائدة. حضر ذات يوم وقال لي إنه كثيرًا ما فكر في أحوال طلبة المدارس العالية وكيفية تمضيتهم لأوقات فراغهم وفى علاقات خريجيها بعضهم ببعض فرأى أن بعضًا من الطلبة يقضون أوقاتهم في المحال العمومية ليس لهم من أنواع الرياضة غير الجلوس في القهاوي وأن البعض الآخر وهو من يرى الترفع عن ذلك يعتكف في منزله وأن الطلبة بمجرد إتمام دراستهم واشتغالهم بأمور معاشهم إذا ما تفرقوا في البلاد وبعدوا عن القاهرة انقطعت بينهم أسباب الألفة وأصبحوا غرباء بعضهم عن بعض. شكا إلى تلك الحال وما يترتب عليها من المضار الأدبية والمادية وقال إنه يرى خير دواء لها تأسيس فناء في نقطة صحية خارج المدينة تكون منتدى لطلبة المدارس العليا ومتخرجيها يقضون فيه أوقات فراغهم ويتمرنون فيه على الألعاب الرياضية. ويكون للطلبة الذين قضى عليهم جهاد الحياة أن يكونوا خارج القاهرة واسطة في الاجتماع بإخوانهم المقيمين فيها كلما سنحت لهم فرصة العودة إليها. لم أتردد لحظة في الحكم بأن تحقيق هذه الفكرة هو خير ما نخدم به الشبيبة المصرية ولكني لا أخفى عليكم أن أملى في نجاح المشروع كان أقل بكثير من تخوفي من عدم إمكان تنفيذه أو من سقوط النادي بعد تأسيسه وعذري في هذا التخوف أنى جربت في حكمي هذا على قياس الحاضر بالغابر والمستقبل بالماضي فكم من مشروعات وطنية قامت بضجة عظيمة وأقبل عليها الناس أيما إقبال لكنها ما لبثت أن أخذت في التلاشي، والفناء حتى أصبحت أثرًا بعد عين. ولم أرد مع ذلك أن أثبط همته بمخاوفي هذه وقلت في نفسي لعل في هذه الحركة بركة، واتفقنا على العمل فسعى رحمه الله حثيثًا حتى وفق في تشكيل نقابة أخذت على عاتقها دفع المال لتأسيس النادي وقد تأسس بالفعل".

 

وفي الكتاب الذي أصدره النادي الأهلي عام 1932 وبمناسبة الاحتفال باليوبيل الفضي للنادي سرد النادي كيف تم التأسيس:

 

في الثامن من أبريل 1907 اجتمع كل من حضرات أصحاب السعادة والعطوفة والعزة عمر سلطان بك "باشا"، وإسماعيل سري باشا، وعبد الخالق ثروت بك "باشا"، وعمر لطفي بك وإدريس راغب بك ومحمد محمود بك "باشا"، وأمين سامي باشا وعزيز عزت باشا والمستر متشل أنس، وألفوا نقابة أخذت على عاتقها دفع المال لتأسيس فناء في نقطة صحية خارج المدينة يكون منتدى لطلبة المدارس العليا ومتخرجيها يقضون فيه أوقات فراغهم ويتمرنون فيه على الألعاب الرياضية، وقرروا فيما بينهم عمل شركة رأس مالها 5000 جنيه لإنشاء "النادي الأهلي للألعاب الرياضية" وبدء المراسلات مع الحكومة لتخصيص أرض للنادي، وكذلك تأسيس لجنة إدارية عليا لإدارة النادي برئاسة متشل أنس وكيل وزارة المالية.

 

وبرغم علو مكانة ومناصب بعض مؤسسي النادي على البعض الآخر، فلم تكن للأنا أو للمصلحة الشخصية نصيبا ولو بقدر ذرة في نفوسهم أو في خلفية أي جهد من جهودهم، لذا علت وسمت القيمة والمبدأ فوق كل شيء، وأصبح الهدف النبيل والقيم الإنسانية والمبادئ هي العليا، فأصبحت مصلحة الأهلي فوق الأسماء والمهارات، فقد اتفق الوطنيون المصريون وهم قامات على أن يكون متشل أنس رئيساً للجنة العليا على الرغم من أنهم أكثر منه قامة، لكن مصلحة الأهلي كانت تشير أن الأهلي بحاجة لمساعداته حتى يحصل على الأرض والتراخيص المطلوبة لتأسيس النادي.

 

لذا استمر الأهلي إلى اليوم لا يعلو فيه أي شيء فوق مصالحه مهما كانت سلطات أو مهارات رئيس أو عضو مجلس إدارة أو جمعية عمومية، حقاً.. إنه التجسيد الرائع للشعار التاريخي "الأهلي فوق الجميع".

 

في الحلقة القادمة: النادي الأهلي... وكيف تحول الحلم إلى حقيقة، ومتى تم افتتاح النادي الأهلي للرياضة البدنية؟.

 

 

صورة من الاجتماع الأول لمؤسسي النادي الأهلي

 

للتواصل مع الكاتب:

 

لمتابعة الكاتب عبر الفيس بوك

لمتابعة الكاتب عبر تويتر

 

استطلاع الراى


توقعاتك لمواجهة الأهلي ضد مازيمبي بدوري أبطال أفريقيا؟
دوري أبطال أفريقيا - 2024

الفيديوهات الأكثر مشاهدة خلال شهر
تطبيق الأهلي.كوم متاح الأن
أضغط هنا