يمتلك النادي الأهلي سواء داخل الملعب أو خارجه العديد من المواقف التاريخية التي ظلت وستظل في أذهان الجميع حتى إذا مر عليها فترة طويلة من الزمن، فهي خالدة في التاريخ ومحفورة في العقول إلى الأبد.
ويقدمEl-Ahly.comفيحلقاته المعتادة بشهر رمضان الكريم سلسلته التي ستتناول بعض من تلك المواقف التاريخية تحت عنوان "أنا الأهلي".
أنا الأهلي.. سلسلة ترصد لماذا هو الأعظم، كيف يمكن أن يهب شخص ما حياته لمكان؟ كيف تنسى غرورك وهيبتك من أجل كيان، كيف تختار طريقاً وشخصية لتضع نفسك في مكانة لم يصلها غيرك في القارة كلها، أنا ابن القلعة الحمراء، أنا لا أمثل نفسي، مواقفي وتصرفاتي وقراراتي تمثل النادي الأهلي، أنا الأهلي!
أقل من خمسة أشهر فقط على حادثة تعد ضمن الوقائع الفاجعة في تاريخ النادي الأهلي وهي وفاة محمد عبد الوهاب خلال مران المارد الأحمر الصباحي، كان أبو تريكة، نجم الشياطين الحمر يجعل قلوب جميع الأهلاوية تخفق وترتعد من الخوف لعدة دقائق.
الليلة هي السابع من يناير عام 2007، فالأهلي يستضيف الإسماعيلي على ملعب ستاد القاهرة في الجولة الـ 15 من الدوري العام، في إطار استعدادات القلعة الحمراء لاستقبال درع الدوري الثالث على التوالي.
جماهير الأهلي تملأ الملعب انتظارًا لليلة سعيدة جديدة اعتادوا عليها من جيل الأحلام للقلعة الحمراء، فبطل إفريقيا حينها وثالث العالم في مونديال الأندية قادم من الفوز على الغريم التقليدي الزمالك بهدفين لهدف وعلى طنطا بهدف نظيف.
المباراة التي بدأت بجائزة مُقدمة من الشركة الراعية حينها للنجم محمد أبو تريكة جائت الأمور بها على عكس المتوقع تمامًا، فالإسماعيلي افتتح النتيجة مبكرًا عن طريق عبد الله السعيد في الدقيقة السابعة قبل أن يضيف محمد فضل الهدف الثاني في الدقيقة الأخيرة من الشوط الأول.
جماهير الأهلي كعادتها لا تكل ولا تمل من تشجيع فريقها، فهي تثق به حتى الثانية الأخيرة وهو يستند عليها في الوصول لمراده وتحقيق ألقابه، إلا أن تلك الجماهير تمنت لبضع ثواني في تلك الليلة التي أدارت ظهرها للأهلي الخسارة، بل ضياع كافة ألقاب الموسم، فتذهب البطولات للجحيم .. وتحيا أنت يا تريكة.
مانويل جوزيه، المدير الفني للأحمر حينها كان قد أجرى جميع تبديلاته الثلاثة قبل قدوم الدقيقة 67، وذلك بحثًا عن هدف تقليص الفارق ومن ثم إدراك التعادل على أقل تقدير، إلا أنه فوجئ بعدها بدقائق قليلة بسقوط من علّق عليه آمال العودة في اللقاء.. أبو تريكة يسقط ويُصاب ولكن السقوط غير عاديًا.
كرة في وسط الملعب قاتل عليها أبو تريكة للظفر بها من ثنائي الإسماعيلي حينها أحمد فتحي ومحمد حمص، إلا أن مرفق الأخير ارتطم بذقن تريكة ليسقط في الحال ممُسكًا برأسه.
ثواني قليلة ليتحول وجه أبو تريكة من العبوس بسبب شعوره بآلام قوية في الرأس إلى وجه وجسد ساكن تمامًا لا يشوبه سوى "ابتسامة الملائكة"، هذه الابتسامة كانت كفيلة بأن تدب ذكريات سيئة في أذهان الجميع في خضون لحظات، وتجعل كافة الجماهير تتمنى سلامة أبو تريكة حتى لو ذهبت البطولة بأكملها للجحيم.
جميع من في الملعب يلتف حول أبو تريكة ليكون المشهد أكثر ذعرًا للجماهير، إلا أن ثواني قليلة ونجح الجهاز الطبي في إفاقة تريكة، ليتنفس جميع من في المدرجات وأمام الشاشات الصعداء.
الآن يأتي الدور على تريكة لإكمال قصة ملحمية سُطرت أحداثها في تاريخ الأهلي بحروف من ذهب، فالجهاز الطبي يسترجي اللاعب بأن يخرج من الملعب لعدم التأكد من سلامته الطبية 100%، وسط رفض تام من أبو تريكة.
اللاعب ذو الرقم الذهبي "22" كان يعلم جيدًا أن خروجه يعني أن الأهلي سيستكمل المباراة بعشرة لاعبين، لذا كان مُصرًا على عدم افتقاد المارد الأحمر ورقة رابحة في المباراة، خاصةً وأن الفريق متأخرًا بهدفين دون رد.
تريكة يريد أن يركض إلى الملعب، قرر أن يحارب في سبيل القميص الذي يرتديه حتى وإن كانت حياته هي الثمن.. الجهاز الطبي يصرخ في وجهه لإقناعه بالعدول عن تفكيره.. لحظات عصيبة يعيشها الفريق في ليلة كبيسة من جميع النواحي، ولكن كانت دائمًا مثل تلك الليالي هي من تسطر شخصية الأهلي.
الطبيب أسامه مصطفى والذي كان عضوًا في الجهاز الطبي حينها كان يمسك بتريكة جيدًا ويحتضنه ويوجه حديثه لمانويل جوزيه وهو باكيًا "NO NO"، وكأنه يتوسل للمدرب البرتغالي بألا يتخذ قرارًا على حساب صحة "حبيب الملايين" في سبيل نقطة أو ثلاث نقاط .. لقطة الطبيب أسامه كانت تعبر عما يريد أن يقوله جموع الأهلاوية.
مانويل جوزيه لم يكن مدربًا أجنبيًا جاء مرتديًا قبعة ويجلس على مقاعد البدلاء ليدير المباراة فنيًا ومن بعدها يذهب إلى منزله، بلى، فقاد كان جوزيه أهلاويًا قبل أن يكون برتغاليًا، يشعر بما تشعر به الجماهير في المدرجات، ليقرر في ذلك المشهد ما قرره جميع المشجعين "فلتذهب البطولات إلى الجحيم وتحيا أنتَ يا تريكة".
البرتغالي أمسك بتريكة من يده وأجلسه على مقاعد البدلاء، على الرغم من رفض اللاعب الشديد ورغبته في استكمال المباراة، إلا أن دموعه لم تكن كافية لتهز أي ساكن في قرار جوزيه الذي اتخذه بعدم المخاطرة بحياته.
هذه الليلة لم تكن لتحتاج لأي ريمونتادا والعودة في النتيجة على الرغم من عدم وجود تريكة في الملعب، فبكاء الأخير وهو يشاهد الهدف الثالث للإسماعيلي أمام أعينه وهو على مقاعد البدلاء وسط هتافات من الجماهير بـ "يا تريكة يا تريكة" كان كافيًا لكتابة مشهدًا سينمائيًا ملحميًا بعنوان "أنا الأهلي".